فصل: من لطائف القشيري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ} التمحيص: التخليص من الشيء.
وقيل: المَحْص كالفَحْص، لكن الفَحْص يقال في إبراز الشيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل، والمَحْص: يقال في إبرازه عما هو متصل به، يقال: مَحَصْتُ الذهب، ومحَّصته- إذا أزلْت عنه ما يشوبه من خَبَث، ومَحَص الثوب: إذا زال عنه زئبره ومَحَصَ الحَبْل- إذا أخلق حتى ذهب عنه زئبره، ومحص الظَّبْيُ: عدا. فمحص- بالتخفيف- يكون قاصرًا ومتعديًا، هكذا روى الزجاج هذه اللفظةَ- الحبل- ورواها النقاش: مَحَص الجمل- إذا ذهب وَبَرُه وامَّلَسَ- والمعنيان واضحان.
وقال الخليل: التمحيص: التخليصُ من الشيء المعيب.
وقيل: هو الابتلاء والاختبار.
قال الشاعر: [الطويل]
رَأيْتُ فُضَيْلًا كَانَ شَيْئًا مُلَفَّفًا ** فَكَشَّفَهُ التَّمْحِيصُ حَتَّى بَدَا لِيَا

وروى الواحِديُّ عن المبرد بسند متصل: مَحَصَ الحبلُ يمحص مَحْصًا- إذا ذهب زئبره حتى يتملص، وحبل محيص ومليص بمعنًى واحدٍ، قال: ويستحب في الفرس أن تُمَحَّصَ قوائمُه أي: تُخَلَّص من الرَّهَل.
وأنشد ابن الأنباريّ على ذلك- يصف فرسًا-: [البسيط]
صُمُّ النُّسُورِ، صِحَاحٌ، غَيْرُ عَاثِرَةٍ ** رُكِّبْنَ فِي مَحِصَاتٍ مُلْتَقَى العَصَبِ

أي: في قوائم متجرِّدات من اللحم، ليس فيها إلا العظم والجلد.
قال المبرد: ومعنى قول الناس مَحِّصْ عنا ذُنوبَنَا: أذهِب عنا ما تعلَّق من الذنوب.
قال الواحديُّ: وهذا- الذي قاله المبردُ- تأويل المحَص- بفتح الحاء- وهو واقع، والمَحْص- بسكون الحاء- مصنوع- وقال الخليل: يقال: مَحَصْت الشيء أمحصه مَحْصًا- إذا أخلصته من كل عيب.
وفي جعله محْصًا- بتسكين الحاء- مصنوعًا نظر؛ لأن أهل اللغة نقلوه ساكنها، وهو قياس مصدر الثلاثي. ومَحَصْت السيف والسنان: جَلَوتُهما حتى ذهب صدأهما.
قال أسامة الهذليّ: [الطويل]
وَشَقُّوا بِمَمْحُوصِ السِّفَانِ فُؤادَهُ ** لَهُمْ قُتُرَاتٌ قَدْ بُنِيْنَ مَحَاتِد

أي: بمجلُوٍّ، ومنه استُعِير ذلك في وَصْف الحبل بالملاسة والبريق.
قال العجاج: [الرجز]
شَدِيدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى ** كَالْكَرِّ، لا شَخْتٌ وَلاَ فِيهِ لَوَى

والشوى: الظهر، قَصَره ضرورةً، سُمِع: فعلتُه حتى انقطع شَوَاي، أي: ظَهْري. والمحق- في اللغة- النقصان.
وقال المفضَّل: هو أن يذهب الشيءُ كلُّه، حتَّى لا يُرَى منه شيء، ومنه قوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا} [البقرة: 276] أي: يستأصله، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة. اهـ..

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
وقد تضمنت هذه الآيات فنونًا من الفصاحة والبديع والبيان: من ذلك الاعتراض في: والله يحب المحسنين، وفي: ومن يغفر الذنوب إلا الله، وفي: والله لا يحب الظالمين.
وتسمية الشيء باسم سببه في: إلى مغفرة من ربكم.
والتشبيه في: عرضها السموات والأرض.
وقيل: هذه استعارة وإضافة الحكم إلى الأكثر في أعدّت للمتقين، وهي معدة لهم ولغيرهم من العصاة.
والطباق في: السرّاء والضرّاء، وفي: ولا تهنوا والأعلون، لأن الوهن والعلو ضدان.
وفي آمنوا والظالمين، لأن الظالمين هنا هم الكافرون، وفي: آمنوا ويمحق الكافرين.
والعام يراد به الخاص في: والعافين عن الناس يعني من ظلمهم أو المماليك.
والتكرار في: واتقوا الله، واتقوا النار، وفي لفظ الجلالة، وفي والله يحب، وذكروا الله، وفي وليعلم الله، والله لا يحب، وليمحص الله، وفي الذين ينفقون، والذين إذا فعلوا.
والاختصاص في: يحب المحسنين، وفي: وهم يعلمون، وفي: عاقبة المكذبين، وفي: موعظة للمتقين، وفي: إن كنتم مؤمنين، وفي: لا يحب الظالمين، وفي: وليمحص الله الذين آمنوا، وفي: ويمحق الكافرين.
والاستعارة في: فسيروا، على أنه من سير الفكر لا القدم، وفي: وأنتم الأعلون، إذا لم تكن من علو المكان، وفي: تلك الأيام نداولها، وفي: وليمحص ويمحق، والإشارة في هذا بيان.
وفي: وتلك الأيام.
وإدخال حرف الشرط في الأمر المحقق في: إن كنتم مؤمنين، إذا علق عليه النهي والحذف في عدة مواضع. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

{وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}.
اختبارات الغيب سبك للعبد فباختلاف الأطوار يخلصه من المشائب فيصير كالذهب الخالص لا خَبَثَ فيه، كذلك يصفو عن العلل فيتخلص لله.
{وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ} في أودية التفرقة.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد: 17]. اهـ.

.من فوائد أبي السعود:

قال رحمه الله:
وقوله تعالى: {وَلِيُمَحّصَ الله الذين ءامَنُواْ} أي ليُصَفِّيَهم ويُطهرَهم من الذنوب، عطفٌ على يتخذ، وتكريرُ اللامِ لتذكير التعليلِ لوقوع الفصلِ بينهما بالاعتراض، وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمارِ لإبراز مزيدِ الاعتناءِ بشأن التمحيصِ، وهذه الأمورُ الثلاثة عللٌ للمداولة المعهودةِ باعتبار كونِها على المؤمنين قُدِّمت في الذكر لأنها المحتاجةُ إلى البيان. ولعل تأخيرَ العلةِ الأخيرةِ عن الاعتراض لئلا يُتوَهَّمَ اندراجُ المذنبين في الظالمين، أو ليقترِنَ بقوله عز وجل: {وَيَمْحَقَ الكافرين} فإن التمحيصَ فيه محوُ الآثارِ وإزالةُ الأوضارِ كما أن المَحْقَ عبارةٌ عن النقض والإذهابِ. قال المفضِّلُ: هو أن يذهبَ الشيءُ بالكلية حتى لا يرى منه شيءٌ ومنه قوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا} أي يستأصله وهذه علة للمداولة باعتبار كونها على الكافرين والمرادُ بهم الذين حاربوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ أحُدٍ وأصرّوا على الكفر وقد محقَهم الله عز وجل جميعًا. اهـ.

.فصل في كلام الزهاد وأخبار العباد:

قال ابن عبد ربه:
قيل لقوم من العُبَّاد: ما أقامكم في الشَّمس؟ قالوا: طلَب الظِّل.
قال علقمةُ لأسودَ بنِ يزيد: كم تُعذِّب هذا الجسدَ الضَّعيف؟ قال: لا تنال الراحة إلا بالتَّعب.
وقيل لآخر: لو رفقتَ بنفسك؟ قال: الخيرُ كلُّه فيما أُكْرِهت النفوسُ عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفّت الجنَّة بالمكاره».
وقيل لمَسروق بن الأجْدع: لقد أضررتَ ببدنك؟ قال: كرامتَه أُريد. وقالت له امرأته فَيْروز لما رأتْه لا يُفْطِر من صيام ولا يَفْترً عن صلاة: ويلك يا مسروق! أما يعْبد الله غيرُك؟ أما خُلقت النارُ إلا لك؟ قال لها: وَيحْك يا فيروز! إن طالب الجنة لا يَسأَم، وهاربَ النار لا ينام.
وشَكت أم الدَرداء إلى أبي الدَّرداء الحاجة، فقال لها: تصبَّري فإنّ أمامَنا عَقَبةً كئُودًا لا يجاوزها إلا أخفُّ الناس حِمْلًا.
ومر أبو حازم بسُوق الفاكهة، فقال: مَوْعدك الجنّة. ومرَّ بالجزًارين، فقالوا له: يا أبا حازم، هذا لحم سمين فاشتَر؛ قال: ليس عندي ثَمَنُه؛ قالوا: نُؤخرك؛ قال: أنا أُؤخر نفسي. وكان رجل من العُبَّاد يأكل الرُّمان بِقشرْه، فقيل له: لم تَفْعل هذا؟ فقال: إنما هو عدوّ فأثْخن فيه ما أمكنك.
وكان عليّ بن الحُسين عليهما السلام إذا قام للصلاة أخذتْه رِعْدةٌ، فسُئِل عن ذلك، فقال: وَيحْكم! أَتَدْرُون إلى من أَقُوم ومَن أُرِيد أن أُناجي؟!
وقال رجل ليونس بن عُبيد: هل تَعلم أَحدًا يَعمل بِعَمل الحسن؟ قال: لا واللهّ، ولا أحدًا يقول بقَوْله.
وقيل لمحمد بن عليّ بن الحُسين، أو لعليّ بن الحُسين عليهم السلام: ما أقلَّ وَلَدَ أبيك؟ قال: العجبُ كيف وُلدْتُ له! وكان يصلّي في اليوم والليلة ألفَ ركعة، فمتى كان يَتَفَرع للنساء؟ وحَجَّ خمسة وعشرين حِجَّة راجلا.
ولما ضُرِب سعيدُ بن المُسَيِّب وأُقيم للناس قالت له امرأة: يا شيخ، لقد أُقمت مُقام خزْية؛ فقال: من مُقام الخزية فررتُ.
وشكا الناسُ إلى مالك ابن دينار القحطَ، فقال: أنتم تستبطئون المَطر وأنا أستبطئ الحِجارة.
وشكا أهل الكوفة إلى الفُضيل بن عِيَاض القحطَ؟ فقال: أمُدَ بِّرًا غيرَ الله تريدون؟.
وذكر أبو حنيفة أيوبَ السِّخْتيانيّ، فقال: رحمه الله تعالى، ثلاثًا، لقد قَدمَ المدينة مرة وأنا بها، فقلت: لأقعدنّ إليه لعلي أتعلَّق منه بسقْطة، فقام بين يدي القبر مَقامًا ما ذكرتُه إلا اقشعرَّ له جِلْدِي.
وقيل لأهل مكة: كيف كان عَطاءُ بن أبي رَبَاح فيكم؟ قالوا: كان مثلَ العافية التي لا يُعرف فضلُها حتى تُفْقد. وكان عطاء أفْطَس أشَلّ أعرج ثم عَمِي، وأمه سَوداء تسمَّى بَرَكة.
وكان الأوقص المَخْزُوميّ قاضيًا بمكة فما رئي مثلُه في عَفافه وزُهْده، فقال يومًا لِجُلسائه: قالت لي أُمي: يا بني، أنك خُلقت خِلْقة لا تصلح معها لمَجَامع الفِتْيان عند القيان، أنك لا تكون مع أحدِ إلا تَخَطتْك إليه العيون، فعليك بالدِّينِ فإنَّ الله يَرْفَع به الخَسِيسة، وُيتمُّ به النَّقيصة. فنفعني اللهّ تعالى بكلامها، وأطعتها فوليتُ القضاء.
الفُضَيل بن عِياض قال: اجتمع محمد بن واسع ومالكُ بن دينار في مجلس بالبصرة، فقال مالكُ بن دينار: ما هو إلا طاعة اللهّ أو النار. فقال محمد بن واسع: ما هو كما تقول، ليس إلا عَفْو الله أو النار. قال مالك: صدقتَ. ثم قال مالك: أنه يُعجبني أن يكون للرجل مَعِيشة على قدر ما يَقوته. قال محمد بن واسع: ولا هو كما تقول، ولكن يُعْجبني أن يُصبح الرجل، وليس له غَدَاء، وُيمسى وليس له عَشَاء، وهو مع ذلك راضٍ عن الله. قال مالك: ما أحْوَجني إلى أن يُعَلّمني مثلك.
جعفر بن سُليمان قال: سمعتُ عبد الرحمن بن مهَديّ يقول: ما رأيتُ أحدًا أقْشَف من شعبَة، ولا أعبدَ من سُفيان الثوري، ولا أحفظَ من ابن المُبارك، وما أُحِبُّ أن ألْقَى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة بِشر بنِ مَنصور، مات ولم يَدَع قليلًا ولا كثيرًا.
عبد الأعلى بن حمَّاد قال: دخلت على بِشر بن مَنصور وهو في الموت، فإذا به من السرور في أمر عظيم، فقلت له: ما هذا السّرور؟ قال: سُبحان اللهّ! أخرجُ من بين الظالمين والباغين والحاسدين والمُغْتابين وأَقْدَم على أرحم الراحمين ولا أُسرَّ؟!
حَجَّ هارون الرَّشيد، فَبلغه عن عابدٍ بمكة مُجاب الدَّعوة مُعْتزل في جِبَال تِهامة، فأتاه هارون الرشيدُ فسأله عن حاله، ثم قال له: أوْصِني ومُرْني بَما شِئتَ، فوالله لا عَصَيتك. فَسكت عنه ولم يَرُدَّ عليه جوابًا. فخرج عنه هارون، فقال له أصحابُه: ما مَنعك إذ سألك أن تَأْمرَه بما شِئْتَ- وقد حَلَف أن لا يَعْصيك- أن تأمرَه بتقوِى الله والإحسان إلى رعيّته؟ فَخَطَّ لهم في الرَّمل: إنيّ أعظمتُ الله أن يكون يَأمره فيَعْصِيه وآمرُه أنا فيطيعني.
عليّ بن حمزة ابن أُخت سُفيان الثوري قال: لما مَرِض سُفيان مَرَضه الذي مات فيه ذهبتُ ببَوْله إلى دَيْرانيّ، فأرَيتُه إياه فقال: ما هذا ببول حَنِيفيّ؟ قلت: بلى والله، من خِيارهم. قال: فأنا أذهب معك إليه. قال: فدخل عليه وجَسَّ عِرْقه، فقال: هذا رجُلٌ قطَع الحُزن كَبِده.
مُؤرِّق العِجْليّ قال: ما رأيتُ أحدًا أفقه في وَرعه ولا أورَعَ في فِقْهِه من محمد بن سيرين، ولقد قال يومًا: ما غَشِيتُ امرأةً قط في نوم ولا يقظة، إلا امرأتي أم عبد الله، فإني أرى المرأة في النوم، فاعلم أنها لا تَحِلّ لي، فأصْرف بَصري عنها.
الأصمعي عن ابن عَوْن قال: رأيت ثلاثة لم أَرَ مثلَهم: محمدَ بن سيرين بالعراق، والقاسمَ بن محمد بالحجاز، ورجاءَ بن حَيْوة بالشام.
العُتْبيّ قال: سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزُّهْد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد القيس، والحسن بن أبي الحسنٍ البَصْرِيّ، وهَرِم بن حيّان، وأبي مُسْلِم الخَوْلاني، وأُوَيس القُرَنيّ، والربيع بن خثيمْ، ومَسْرُوق بن الأجْدَع، والأسْوَد بن يزيد. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {لا تأكلوا الربا} ما يؤدي إلى الحرص إلى طلب الدنيا {أضعافًا مضاعفة} إلى ما لا يتناهى فلا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
{واتقوا الله} خطاب للخواص أي اتقوا بالله عن غير الله في طلب الله {لعلكم تفلحون} عن حجب ما سوى الله، وتظفرون بالوصول إلى الله. ثم خاطب العوام الذين هم ارباب الوسائط بقوله: {واتقوا} أي بالقناعة {النار} أي نار الحرص التي توري عنها نار القطيعة، وجوزوا بقدمي طاعة الله وطاعة رسوله. ثم أخبر عن المسارعة إلى الجنان بمصارعة النفس والجنان {عرضها السموات والأرض} أي المسافة بين العبد وبينها هذا القدر لأن الوصول إليها بعد العبور عما في السموات والأرض وهو عالم المحسوسات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى أنه قال: لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين. فالولادة الثانية هي الخروج عن الصفات الحيوانية بتزكية النفس عنها. وولوج الملكوت هو التحلية بالصفات الروحانية {ينفقون أموالهم في السراء} وأرواحهم في الضراء بل من سوى الله في طلب الله {فعلوا فاحشة} هي رؤية غير الله {أوظلموا أنفسهم} بالتعليق بما سوى الله {وذكروا الله} بالنظر إليه وبرؤيته {ومن يغفر} ومن يستر بكنف عواطفه ذنوب وجود الأغيار {إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا} من رؤية الوسائط والتعلق بها {وهم يعلمون} أن كل شيء ما خلا الله باطل {أولئك جزاؤهم مغفرة} أي هم مستحقون لمقامات القرب {من ربهم وجنات} من أصناف ألطافه {تجري من تحتها الأنهار} العناية {ونعم أجر العاملين} لأن نيل المقصود في بذل المجهود {قد خلت من قبلكم أمم} لهم {سنن فسيروا في الأرض} نفوسكم الحيوانية بالعبور على أوصافها الدنية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية {فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية {ولا تهنوا} أيها السائرون في السر إلى الله {ولا تحزنوا} على ما فاتكم من اللذات الفانية {وأنتم الأعلون} من أهل الدنيا والآخرة لأنكم من أهل الله {إن يمسسكم} في أثناء المجاهدات {قرح} ابتلاء وامتحان {فقد مس القوم} من الأنبياء والأولياء {قرح} محن {مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس} السائرين يومًا نعمة ويومًا نقمة، ويومًا منحة ويومًا محنة {ويتخذ منكم شهداء} أرباب المشاهدات والمكاشفات {وليمحص الله} فيه إشارة إلى أن كل ألم ونصب يصيب المؤمن فهو تطهير لقلبه وتكفير لسره، وما يصيب الكافر من نعمة ودولة وغنى ومنى فهو سبب لكفرانه ومزيد لطغيانه.
وبوجه آخر البلاء لأهل الولاء تمحيص للقلوب عن ظلمات العيوب وتنويرها بأنوار الغيوب ومحق صفات نفوسهم الكافرة ومحو سمات أخلاقهم الفاجرة ليتخلصوا عن قفص الأشباح إلى حظائر الأرواح. اهـ.